ما هي أهمية الصدق في الإسلام في العلاقات الشخصية وعلاقات العمل على حد سواء؟ وهل هناك حالات يعتبر فيها الكذب عملاً "مقبولاً"؟
الحمد لله
الصدق هو : قول الحق الذي يواطئ فيه اللسان القلب ، وهو أيضاً : القول المطابق للواقع والحقيقة من حيث اللغة .
ولما كان الصدق ضرورة من ضرورات المجتمع الإنساني ، وفضيلة من فضائل السلوك البشري ذات النفع العظيم ، وكان الكذب عنصر إفساد كبير للمجتمعات الإنسانية ، وسبب لهدم أبنيتها ، وتقطيع روابطها وصلاتها ، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ ؛ أمر الإسلام بالصدق ونهى عن الكذب .
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ، قال ابن كثير رحمه الله 2/414 : أي : اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله ، وتنجوا من المهالك ، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً أ.هـ .
وقال سبحانه : ( فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم ) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ ( أي يبالغ فيه ويجتهد ) حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا . " رواه مسلم 4721 .
فدل هذا الحديث على أن الصدق يهدي إلى البر ، والبر كلمة جامعة تدل على كل وجوه الخير ، ومختلف الأعمال الصالحات ، والفجور في أصله الميل والانحراف عن الحق ، والفاجر هو المائل عن طريق الهداية ، فالفجور والبر ضدان متقابلان .
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى مالا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة " رواه الترمذي 2520 والنسائي 8/327 وأحمد 1/200 .
وجاء من حديث أبي سفيان رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل حين قال : فماذا يأمركم ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو سفيان ، قلت : يقول : " اعبدوا الله وحده لا تشركوا بالله شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة ، والصدق والعفاف والصلة " رواه البخاري 1/30 ومسلم 1773 .
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " رواه البخاري 4/275 ومسلم 1532 .
والصدق يشمل الصدق مع الله بإخلاص العبادة لله والصّدق مع النّفس بإقامتها على شرع الله والصّدق مع النّاس في الكلام والوعود والمعاملات من البيع والشراء والنكاح فلا تدليس ولا غش ولا تزوير ولا إخفاء للمعلومات وهكذا حتى يكون ظاهر الإنسان كباطنه وسره كعلانيته .
أما بالنسبة للكذب فإنه محرم عظيم ويتفاوت في القبح والإثم وأشنع صوره الكذب على الله والرسول لأنه افتراء في الدين ، وتجرؤ عظيم على الله ، ولذلك كان من صفات النبي صلى الله عليه وسلم صفة الصدق في تبليغ ما أمره الله بتبليغه ، ولهذا قال تعالى : ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) وقال تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) ، ونظير ذلك الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " متفق عليه .
والأصل في الكذب عدم الجواز ، ولكن توجد حالات جاء الشرع بجواز الكذب فيها تحقيقاً للمصلحة العظيمة أو دفعاً للمضرة :
فمن تلك الحالات أن يتوسط إنسان للإصلاح بين فريقين متخاصمين إذا لم يمكنه أن يصلح إلا بشيء منه لحديث أم كلثوم رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيَنْمي ( أي يبلّغ ) خيراً أو يقول خيراً ". رواه البخاري 2495
ومن تلك الحالات حديث الرجل لامرأته ، وحديث المرأة لزوجها في الأمور التي تشدّ أواصر الوفاق والمودّة بينهما وما قد يصاحب ذلك الكلام من المبالغات كما جاء في حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلا فِي ثَلَاثٍ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ . " رواه الترمذي 1862 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وانظر صحيح مسلم 4717 .
وإن من أعظم صور الصدق والكذب الصدق في العهد والوعد والكذب فيهما ، فالصدق في الوعد وفي العهد من فضائل الأخلاق التي يتحلى بها المؤمنون ، ويشترك الوعد والعهد بأن كلاً منهما إخبار بأمر جزم المخبر بأن يفعله لا سيما إن كان الوعد والعهد في حقوق الله تعالى كما قال تعالى مثنياً على بعض عباده : ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) وقال تعالى : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) وقال تعالى : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والصدق في الأقوال والأعمال .
والله تعالى أعلم
1- الصدق دليل على الايمان والتقوى.
فقد اخبر الله تعالى عن أهل البر واثنى عليهم بأحسن اعمالهم من الايمان والإسلام والصدقة والصبر ثم وصفهم بأنهم اهل الصدق كما جاء في سورة البقرة ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) إلى أن قال تعالى ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ))، وكذلك يورث التقوى ((وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)).
2- الصدق يؤدي إلى الخير وحسن العاقبة، قال تعالى ((فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)).
3- الصدق دليل على البراءة من النفاق.
فقد قسم الله تعالى الناس إلى صادق ومنافق فقال ((لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)).
قال الامام ابن القيم: الايمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وايمان الا واحدهما محارب للآخر.
4- الصدق يؤدي إلى الجنة وينجي من النار كما مر في حديث عبد الله بن مسعود المتفق عليه.
5- نيل مرتبة الصديقية التي تلي مرتبة النبوة قال تعالى: ((وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا)).
6- الصدق ينجي العبد من اهوال القيامة، فقد أخبر الله تعالى انه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من العذاب الا صدقه ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
7- الصدق يورث الطمأنينة والراحة النفسية، فعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة) رواه أحمد والترمذي وصححه الالباني.
8- الصدق يورث منازل الشهداء فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) رواه مسلم.
9- الصدق يورث محبة ومعية الله تعالى فمن اراد ان يكون الله تعالى معه ويحبه فليلزم الصدق فإن الله تعالى مع الصادقين وان الله تعالى يحب الصادقين.
10- الصدق يورث البركة في كل شيء، فقد روى البخاري ومسلم انه عليه الصلاة والسلام قال (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا بورك لهما في بيعهما وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) حتى قيل ما افتقر تاجر صدوق.
مظاهر الصدق
هناك مظاهر كثيرة يتجلى فيها الصدق وأهمها:
1- صدق اللسان: فالمسلم اذا حدّث لا يحدث بغير الحق والصدق واذا اخبر فلا يخبر الا بما هو مطابق للواقع فإن الكذب آية المنافق وعلامة له قال عليه الصلاة والسلام (آية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم.
2- الصدق في المعاملة: فالمسلم اذا عامل أحداً صدقه في معاملته فلا يغشه ولا يخدعه ولا يزور ولا يغرر بحال من الاحوال وهو ايضاً يصدق في النصيحة والاستشارة.
3- الصدق في النية والارادة: ويرجع ذلك إلى الاخلاص وهو الا يكون لديه باعث في الاقوال والافعال والحركات والسكنات الا الله تعالى، فاذا خالط ذلك شيء من حظوظ النفس أثر ذلك في صدق نيته.
4- الصدق في العزم: فينبغي للمسلم ان لا يتردد في فعل ما ينبغي فعله من الواجبات والمأمورات والمستحبات وترك ما ينبغي عليه تركه من المحرمات والمحظورات والمكروهات وان يكون صادقاً في عزمه على ذلك.
5- صدق الحال فالمسلم الصادق لا يظهر خلاف ما يبطنه ولا يتظاهر بما ليس فيه من التقوى والاخلاص ولا يتكلف ما ليس له قال عليه الصلاة والسلام (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) رواه البخاري ومسلم.. فالصدق موافقة الحق في السر والعلانية.
6- الصدق في جميع مقامات الدين: وهو اعلى الدرجات واعزها كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والخشية والصبر والخوف وغيره..
نسال الله تعالى ان يرزقنا الصدق في القول والعمل والاعتقاد وان يثبتنا على ذلك. .