يقال في الجزائر منذ الاستقلال أن هناك 75 % من
الشباب وأنهم ركيزة المجتمع ودعامته الأساسية، وهم صانعوا أمجاد الحاضر،
وهم صانعوا أمجاد الماضي، غير أننا نجدهم في الخانة الأولى لاتهام في كثير
المرات، لما آلت إليه الأوضاع في الجزائر، مع بداية أزمة الفيس والحرب
الدموية التي راح ضحيتها خيرة الشباب. لماذا؟ وما هي الأسباب؟ هل هناك
مخطط صهيوني لتجريد الجزائر من شبابها؟ أو هل هذا ما يريده النظام؟ ومن
المستفيد الأول من هذه التضحية المريعة بهذه الطبقة أو الشريحة؟
أسئلة
تتبادر في ذهن المنتقد والمتتبع لكل خطوات السياسة المنتهجة في السابق
والحاضر، نحن أمام معضلة خطيرة جدا أكبر من الأحداث الدموية بين الجيش وما
أصطلح على تسميتهم بالإرهابيين؟ من هم الإرهابيين؟ أليسوا شبابا؟ إذن من
الذي أنتجهم؟ أسئلة كثيرة وإستفهامات تبحث عن إجابات.
الواقع
يثبت أن هذا الشباب ومهما قيل عنه بأنه بلا جدوى وأن ليس له قدرات، فهو
طاقة خلاقة تبحث عن الاستثمار اللائق لتفجير مواهبها وطموحاتها، طاقة
ورصيد وقوة لا يقف في طريقها إلا من أراد أن ينتهي نحبه، هذا الشباب
الجزائري يمتاز بخصوصية ذات حدين، فهو قادر على التغيير وقوي، لكنه في نفس
الوقت متسرع يسبق صدره رجليه، هو شباب مخاطر لأبعد الحدود مندفع، لكننا
نأسف اليوم كثيرا عندما نسمع به يرمي بنفسه بين أحضان أمواج البحر ليموت
غريقا تنهشه الوحوش وتقذف به في السواحل المتوسطية، هيكلا عظميا ثم تدفن
جثته في قبر لا يحمل له اسم ولا شاهد، انه أمر مبكي ومحزن جدا، انه محزن .
محزن
إذ لا يُعرف لك اثر إن كنت موجودا أو لا؟ فذلك سيان، هكذا كنت أسمع من
حديث "الحراقة" كما يسمون في العامية الجزائرية لأنهم يقومون بحرق مرحلة
الحصول على الفيزا من القنصليات، ويحرقون أوراقهم الرسمية التي تثبت
وجودهم، بقول "يأكني الحوت ولا يأكلني الدود" أو أنه يفضل الموت في البحر
ولا معاناة من بطالة والعيش البائس" في دولة تزخر بالخيرات والمال.
من
المسؤول عن هذا؟ لأسف لا نجد في الجزائر أي مبادرة لفهم هذه الشريحة التي
أدار لها المسؤولين ظهورهم، فوجدوا أنفسهم في موضع حرج في كذا من مرة،
خاصة في الانتخابات والإقبال الضعيف عليها أو التعبير عن الرفض عن طريق
الانتخاب بأوراق ممزقة وأظرفه فارغة، كرسالة مباشرة لإعادة إنعاش البلد
وإعادة الاعتبار لهذه الشريحة التي أصبحت تعي بوجودها لكن بطريقة معوجة،
هي شريحة تحب الوطن وتموت من أجله عندا يستدعي الأمر لذلك، لكن تريد أيضا
أن تتموضع في وطن لا يجعلهم يتقيئون ما يأكلون حزنا وبؤسا، فيما تنعم
أقلية بحياة رغيدة وعقارات نفوذ.
سألت يوما أحد الناجين من الموت، الذي
قال أنه رأى الموت بعينيه لولا حرس السواحل الذين انتشلوه ورفاقه الذين
مات البعض منهم بين الأمواج العاتية ولأن بعضهم لا يعرف السباحة، هل يمكن
أن تعيد الكرة مرة أخرى بعد أن خسرت كل ما تملك في رحلتك الفاشلة؟ قال
بحزن وإرادة، نعم سأحاول مرة أخرى مهما كانت النتائج، فقلت له محذرا يا
أخي إنك تلقي بنفسك في التهلكة؟ فقال لي: أريد أن أسالك؟ إن كنت مسافر في
سيارة مثلا، أليس هناك إمكانية أن يقع لك حادث أو خطب ما، وتلقى حتفك قبل
أن تصل؟، فقلت له نعم ، فرد قائلا كذلك هي رحلتي نحو أوربا، قد أصل وقد لا
أصل، وهذا هو القدر والمكتوب.
أريد أن أقول أن الغرض من كتابة هذا ليس
تفنيد ما يقوله الحراق(المهاجر غير الشرعي)، وإنما دعوة لفهم عقليته من
طرف المختصين والمحللين وبصورة سريعة جدا، لأنه يريد حلولا مستعجلة، يجب
وضع مخطط خاص لدعوة هذا الشباب للتعقل، لا أن توضع له قائمة كبيرة من
القوانين الرادعة والوعود الكاذبة، لأنه لو آمن بوجوده لعبر عن امتثاله
للقوانين، ولما اختار امتطاء الأمواج؟
لأسف الموت غريقا أصبح مدعاة
للفخر بين الشباب الذي بات يعبر عن "رجولته" برفضه القاطع للتهميش
والجهوية والبيروقراطية والبطالة، أو أقول كما أسميها "تقلصات وتعبيرات
رجولية" ضد الأوضاع التي يعيشها.
هي دعوة لرجال الدين والسياسة على
السواء لإعادة النظر في فتاويهم وقوانينهم، دعوة واقعية خالية من الوعيد
والتنديد، يا سادة إنه شباب في مقتبل العمل يمكن له أن يكون قوة فعالة في
المجتمع المنتج، انه في سن لا يدعوا للانتظار، شباب يبحث عن عمل محترم،
يمكنه من مواصلة حياته في سعادة، وليحصل على زوجة وبيت وأولاد، فهل هذا
بكثير؟ إذن أوقفوا اتهام هذا الشباب، وفكروا في كيفية استثمار قدراته، وهي
دعوة ايضا للشباب للصبر والثبات والبقاء في الوطن الذي أصبح بحاجة إليهم
أكثر مما سبق، وكما يقول أحد الشباب(الشاب حسني) الذي لقى حتفه على يد
المسلحين: لا يزال كاين( l espoir).