مقدمة
لقد عرف الإنسان الفقر منذ القدم، والذي اتسع نطاقه خاصة مع هيمنة العولمة
الاقتصادية، وأصبح ظاهرة تصيب عدة فئات من المجتمع سواء المتخلفة أو المتقدمة، لذلك
يشكل من أهم التحديات التي يواجهها العالم، فرغم التقدم الكبير في مجال الإنتاج والتكنولوجيا
والاتصالات إلا أن العالم ما زال يعاني من تواجد الفقر، وبعض الدول تعاني من المجاعة والفقر المزمن .
لقد اكتسب تحليل ظاهرة الفقر أهمية كبيرة منذ مطلع التسعينات وذلك في ظل
النتائج المخيبة للتوقعات نتيجة تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي في عدد كبير من
الدول النامية، وفي سنة 2000 تضمن تقرير الأمم المتحدة تأكيدا على أولوية محاربة
الفقر في السياسات التنموية . والجزائر لم تهتم كثيرا بمكافحة الفقر في بداية الإصلاحات الإقتصادية، لكن
مع تصاعد حدة الفقر وظهور إنعكاساتها السلبية على المجتمع، أصبح الإهتمام بمكافحة
الفقر يتزايد باستمرار . في هذا المجال نتساءل على واقع الفقر في الجزائر ومدى
فعالية الإستراتيجية المنتهجة لمكافحة هذه الظاهرة ؟
أولا : مفهوم ومظاهر الفقر
يوجد
عدة تعاريف للفقر يمكن تصنيفها إلى قسمين هما :
التعريف الكمي للفقر
الذي يتعلق بانخفاض الدخل بحيث لا يستطيع الفرد تلبية حاجاته الأساسية وفي ظل التحليل
الكمي لظاهرة الفقر نجد مستوى أدنى للمعيشة يعتبر من لا يحصل عليه من ضمن الفقراء
ويسمى خط الفقر الذي يحسب على أساس مفهوم الدخل كمؤشر لمستوى المعيشة في الدول
المتقدمة وعلى أساس الإنفاق الإستهلاكي كمؤشر لمستوى المعيشة في الدول النامية ،و
لقد أستخدم مؤشر خط الفقر لأغراض تقدير إنتشار الفقر في العالم حيث حدد خط الفقر
الدولي بانفاق الفرد دولارا أمريكيا واحدا في اليوم إلا أن إستخدام هذا المؤشر
واحه عدة صعوبات متعلقة بالمقارنات الدولية كما أن التعريف الكمي للفقر ذو نظرة
ضيقة ومحدودة بحيث يحدد الفقر بدلالة السلع وملكيتها التعريف الكيفي للفقر والذي
يرتكز على رفاهية الفرد من خلال تحقيق ملكية السلع والمنفعة والقدرات الإنسانية (1). وعليه
فإن الفقر لا يقتصر على إنخفاض الدخل وعدم تلبية الحاجات الأساسية بل يشمل أيضا
التهميش ورعاية صحية متدنية وإنخفاض فرص التعليم وتدهور البيئة السكنية ،و على هذا
الأساس فإن الفقر عكس التنمية البشرية .
و في سنة 1996 حدد
تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة فقر المقدرة الذي يركز على نقص القدرة على
الحصول على التغدية الملائمة والصحة الجيدة والمستوى التعليمي المناسب، في هذا
المجال نلخص مؤشرات عدم المقدرة في العناصر التالية: (2)
- مؤشرات الصحة والتعليم
الذي يتضمن معدل وفيات الأطفال ومعدل وفيات الأمهات، وتوقع الحياة ومعدل سوء
التغدية للأطفال ومعدل الأمية .
- مؤشرات
الإقتناء مثل الحصول على المياه الصالحة
للشرب .
- مؤشرات الحرمان مثل البطالة .
و في سنة 2001 تبنى
تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة مقياس للفقر البشري لتحديد الفقر وإظهار نقاط
الحرمان البشري من خلال حساب معدل الوفيات للأطفال الرضع ومعدل الأمية ودرجة النقص
في الحصول على الحاجات والخدمات الضرورية ودرجة سوء التغدية (3) .
يتضح مما سبق أن الفقر
ظاهرة متعددة الأبعاد تشمل عدة مؤشرات كمية وكيفية، ويمكن تلخيص مظاهرها فيما يلي
:
1- البطالة :
تعتبر معدلات البطالة المرتفعة في الجزائر عن
حالة الإختلال التي يشهدها سوق العمل، وقد ساهم برنامج التصحيح الهيكلي في إتساع
حدة هذا المشكل من خلال إنخفاض الطلب الكلي، كما أن من أهم مكاسب العولمة يكمن في
التقدم التقني الذي يسمح بزيادة إنتاج السلع إلا أنه لا يخلق مناصب عمل جديدة بل
قد يتسبب في القضاء على بعضها حيث أصبح إكتساب التكنولوجيا المتطورة يتم على حساب
مناصب العمل .
2- إتساع
الهوة بين الفقراء والأغنياء :
إن إتساع الهوة على مستوى العالم يعني
إنكماش الثراء في فئة معينة، ففي سنة 2000 تملك الدول المتقدمة 80 % من الدخل
العالمي وهي تمثل 20 % من سكان العالم ،و بالتالي أصبح العالم تحت سيطرة تلك الدول
. ونشير أن التفاوت في الدخل لدي الدول النامية أشد فظاعة حيث فئة قليلة تملك 90 % من الثروات وعامة الناس يتقاسمون 10 %
الباقية .
3-
الإنفجار السكاني :
يشكل تزايد
السكان ضغطا على الموارد والبيئة، كما يؤثر على نوعية الحياة على الكرة الأرضية، خاصة
إذا كانت تلك الزيادة تتم بين السكان الذين يعيشون في حالة فقر، كما أن الحياة على
الكرة الأرضية لا يمكنها أن تتحمل 6 مليارات نسمة الأخدين في التزايد بحيث سيصبح
عدد سكان العالم 10 مليارات نسمة خلال السنوات القادمة (4) .
4-
الصراعات والحروب :
تشكلالصراعات والحروب
عاملا هاما في تفاقم حدة الفقر سواء الداخلية أو الإقليمية خاصة في الدول المتخلفة،
ومن أهم اثارها السلبية نجد مشكلة الاجئين، تدني أوضاع التنمية البشرية خاصة
التعليم، الصحة، الإسكان والرعاية الإجتماعية، بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية وتزايد
حدة الفوارق الإجتماعية
5- الديون
الخارجية :
تعتبر المديونية إحدى التحديات الرئيسية
التي تواجه الدول النامية بحيث أن تسديد الديون وأقساطها يستنزف جزءا هاما من
مداخيل الدول المدينة ويزداد الوضع خطورة إذا كان الإقتراض قصد تسديد فوائد وأقساط
الديون السابقة، لذلك تصبح تلك الدول تعاني من حلقة مفرغة مما سوف يساهم في
إستمرار تفاقم أزمات ومشاكل عديدة وبالتالي تكريس حالة الفقر .
6- التهميش والحرمان :
يعاني الوطن العربي من عدة مشاكل جوهرية
أهمها البطالة والأمية وفقدان الأمن الغدائي والمائي والصحي مما سمح باتساع حدة
الفقر .
7- فقدان
الديمقراطية :
إن الديمقراطية لا تتعايش مع الفقر إذ
أن الفئات المهمشة ماديا وإجتماعيا لا تجد الوقت الازم للنشاط السياسي والمشاركة
في تنظيمات المجتمع المدني بل تقضي وقتها لإشباع حاجاتها الأساسية. والتاريخ السياسي
لأوروبا يؤكد أن التوترات الإجتماعية والإضطرابات الشعبية و إنتشار البطالة ساهم
في إنتكاس الديمقراطية .
ثانيا : أسباب الفقر
يعتبر الفقر محصلة تفاعل عوامل إقتصادية وإجتماعية وسياسية، لذلك فإن أسباب
زيادة حدة الفقر تختلف من مجتمع إلى آخر، وهي تتعلق بالعوامل السابقة .