وصايا رمضانية
تقبل علينا في كل عام أيام شهر رمضان، وأولئك الذين يستعدون لاستقبالها هم الذين يستطيعون أن يحرزوا فيها نجاحاً كبيراً. أما أولئك الذين يهملون استقبال هذا الشهر، ويتركون الاهتمام بأيامه المباركة وساعاته، فانهم سوف يدخلون هذا الشهر العظيم ويخرجون منه كما كانوا قبل دخوله.
وعلى هذا فان شهر رمضان، هو شهر الرحمة لمن تَعَرَّضَ للرحمة، وهو شهر المغفرة لمن استغفر، وشهر الرضوان لمن طلب الرضوان. أما إذا لم يتحرك الإنسان ويسعى باتجاه الرحمة والمغفرة والرضوان، فان هذا الشهر ستنقضي أيامه، ويسجل في حسابه شهراً كاملاً دون أن يحصل على مكسب ملموس. فلا يكن نصيب الواحد منا من هذا الشهر المبارك، إلاّ الجوع والعطش دون الرحمة والمغفرة والرضوان. فالله سبحانه وتعالى أعدَّ لنا فيه مائدة مباركة عظيمة، والذين يدخلون في رحاب رحمة الخالق هم الذين ينتفعون بهذه المائدة.
كيف نستعد لشهر رمضان؟
والسؤال المهم المطروح في هذا المجال هو: كيف نستعد لشهر رمضان؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد من أن نذكر ملاحظة مهمة علينا أن نأخذها بنظر الاعتبار، وهي أننا نرى بعض الناس خاشعين في صلاتهم، والبعض الآخر يصلي صلاة كنقر الغراب، والسبب في ذلك أن الإنسان الذي يكون خاشعاً وخاضعاً في وضوئه، يكون كذلك في صلاته؛ أي إن الإنسان الذي يهتم بالوضوء الذي هو مقدمة الصلاة، ويهيء نفسه للصلاة، فان الصلاة التي يؤديها ستكون صلاة سليمة. أما ذلك الذي يتوضأ وهو مشغول في أمور الدنيا، فإن قلبه لا يخشع لله أثناء الوضوء، ولذلك فإنه من المستبعد أن يخشع قلبه لله أثناء الصلاة أيضاً. وعلى هذا فان من يسبغ وضوءه، ويؤدّيه حق أدائه، فانه سوف يخشع في صلاته. والعكس صحيح.
وتجري هذه المعادلة في سائر الأعمال والعبادات، ومنها الصيام ولذلك فإن علينا أن نعدّ أنفسنا قبل أن ندخل شهر رمضان. فكيف نهيء أنفسنا، وماذا علينا أن نفعل؟
ضرورة البرمجة
ألف: علينا أولاً أن نلتزم في هذا الشهر الفضيل ببرنامج معين. فالله سبحانــه وتعالـى عندما فرض الصلاة، فانه حدد لنا أوقاتها، وأكد على إقامتها في هذه الأوقات في قوله: ?ان الصَّلاَةَ كَانتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً? (النساء، 103)، وقوله: ?حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى? (البقرة، 238). فلا يجوز لنا أن نصلي في أي وقت شئنا، بل المطلوب أن تؤدّى الصلاة في وقتها المحدد لها، وهذا يعني أن حياة الإنسان يجب أن تكون مبرمجة. فكل شيء بوقته؛ الأكل والشرب والنوم والطاعات.. ولأن شهر رمضان حافل بالكثير من الأعمال الواجبة والمستحبة، ولأن المؤمن مدعوّ للاهتمام بتزكية الذات، فإنه من الضروري وضع برنامج تربوي روحي عبادي لهذا الشهر، لكي لا تضيع علينا لحظاته النفيسة.
ربيع القـران
باء: إن شهر رمضان هو ربيع القران. وفي هذا المجال لدي ثلاث نصائح أقدمها فيما يتصل بتلاوة القران في شهر رمضان:
1- علينا أن نجتنب قراءة القران لوحدنا، بل لنقرأه مع أولادنا وزوجاتنا، ولنبدأ بجلسة القران بعد وجبة الإفطار مباشرة، وليحضر معنا حتى الطفل الصغير مهما كان عمره، لان الإنسان يلتقط ما يدور حوله منذ طفولته ويسجله في ذاكرته. وعلى هذا يجب علينا أن نضع برنامجاً لتوثيق علاقة أولادنا بالقرآن، لان لهم حقاً علينا. فالقران الكريم يقول: ?يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُواْ انفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً? (التحريم، 6)، ويقول: ?وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا? (طه ،132)، فهل يحب أحدنا أن يحترق أولاده في نار جهنم؟
2- لنقرأ في كل يوم جزء أو جزئين من القران حسب قدرتنا، ولنخصص في كل يوم وليلة وقتاً معيناً للتدبر في القران.
3- لنحاول أن نحفظ سورة واحدة من سور القران المتوسطة كسورة الحجر، أو الرعد، أو إبراهيم. فقد روي في هذا المجال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " عدد درج الجنة عدد آي القران، فإذا دخل صاحب القران الجنة قيل له: إرقـأ واقرأ، لكل آية درجة، فلا تكون فوق حافظ القران درجة ".16 فليحاول كل منا أن يحفظ القران حسب استطاعته، وان يضيف إلى رصيده في كل سنة سورة، ولا ينس أن يقرأ هذه السورة في إحدى صلواته. فلا تأتين يوم القيامة، وقد حصل الجميع على جوائز، وتقف أنت وقد لفتك الحسرة والندامة.
الاهتمام بالأحاديث الشريفة
جيم: نحن نؤمن بان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما وَدَّعنا، والتحق بالرفيق الأعلى، فانه خلّف وراءه الثقلين؛ كتاب الله، وعترته. فكتاب الله تعالى هو القران، وأما عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فتتجسد لنا الآن في الروايات الشريفة المتوفرة في كتب الأحاديث الصحيحة، لأن أهل البيت عليهم السلام هم الذين نطقوا بها، فكم يا ترى حفظنا من هذه الأحاديث؟ إن من الأمور المستحبة للغاية أن يحفظ الإنسان أربعين حديثاً، فقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من حفظ من أمتي أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً".17 ولذلك فإني أنصح إخواني أن يحفظوا في كل ليلة حديثاً مهما كان قصيراً، وأنا أدعو الاخوة الخطباء، والإخوان الذين يشرفون على الهيئات والمجالس الدينية والتثقيفية أن يعدوا قائمة بالأحاديث القصار لكل معصوم، ثم يطرحوا في كل ليلة حديثاً واحداً على المستمعين لكي يحفظوه.
صلة الرحم
دال: لنحاول أن نزور أقاربنا في شهر رمضان، وبالطبع فانَّ الشيطان يسوّف لنا أن نصل أرحامنا في الغد أو بعد الغد، وعلينا أن لا نسمح له بذلك، إذ أن تسويف أعمال الخير والبر وتأخيرها إنما هو آفة حذّرتنا الأحاديث الشريفة من عواقبها، فقد جاء في الحديث الشريف: " فلا تدعوا التقرب إلى الله جلّ وعز بالقليل والكثير على حسب الإمكان، وبادروا بذلك الحوادث، واحذروا عواقب التسويف فيها، فإنما هلك من هلك من الأمم السالفة بذلك.. " 18
ترك الهجر والقطيعة
هاء: علينا أن نُنهي في شهر رمضان المبارك كل سلبية في علاقاتنا مع الأقارب والإخوة والأصدقاء، فالهجر والقطيعة ليسا من أخلاق المؤمنين، ولنعلم بأن الشيطان الرجيم والنفس الأمارة بالسوء يعملان دائماً على تعكير علاقات الإنسان مع الآخرين ويقودانه إلى الهجر والقطيعة.
إذن، فلنحاول اعتباراً من أول شهر رمضان من كل سنة أن نحارب الشيطان الرجيم، والنفس الأمارة بالسوء. ولنكن نحن المبادرين في أن ننهي هجرنا لاخوتنا وأقاربنا، فإن من يبادر إلى إعادة جسور العلاقة بالمؤمنين وإنهاء كل حالات القطيعة والهجر سيحظى بأجر مضاعف من الباري عز وجل.
إغاثة المستضعفين
واو: الاهتمـام بالمستضعفيـن والمحروميـن.
فقد جاء في الروايات، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وجاء أيضاً: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم.
فلنجعل لأنفسنا في شهر رمضان برنامجاً لإغاثة المستضعفين، علماً إن المسلمين لم يكونوا يعالجون مشكلة الفقر بهيئات إغاثة رسمية، بل كانوا يطبقون مبدأ التكافل الاجتماعي؛ أي أن كل إنسان مسلم يشعر في قرارة نفسه، بأن عليه أن يهتم بإخوانه المؤمنين. وأنا أطلب بشكل جدي من إخواني المؤمنين أن يبحثوا عن الفقراء المتعففين، فيمدو إليهم يد المساعدة، أولئك الذين يقول عنهم تعالى: ?يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لا يَسْاَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً? (البقرة، 273)
مجالس الذكر
زاء: أكثروا من حضوركم في مجالس الذكر. فكلما كان الحضور فيها أكثر، كلما تنزلت بركات الله علينا أكثر، فيد الله تعالى مع الجماعة، والملائكة تتنزل على مجالس الذكر. فلنحاول إحياء هذه المجالس، لأن فيها حياة القلوب.
قراءة الكتب الدينيّة
حاء: الوصّية الأخيرة تتمثل في أن علينا - بالإضافة إلى ما سبق- أن نهتمّ بقراءة الكتب الدينية، وخصوصاً ما يتعلق بالأحكام الشرعية، فالمطلوب من المؤمن أن يصبغ كل حياته بصبغة دينية، وأن يجعل كل تصرفاته وسلوكياته وفقاً لما يرضي الله عز وجل، ولا يمكن تحقيق ذلك كله إذا كنا بعيدين عن أحكام الشريعة وقوانينها، فمطالعة الكتب الدينية والتزوّد بما فيها من أفكار وأحكام مستلهمة من كتاب الله العزيز والسنة الشريفة أمر ضروري ولازم، وشهر رمضان المبارك خير فرصة للبدء بهذا الأمر المهم.